التمييز - الفرق - بين الغلط في القانون والاعتذار بجهل القانون
تعتبر قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون من القواعد المسلم بها في معظم دول العالم، ومؤداها أن التشريع متى أصبح نافذأ فإنه يسري في مواجهة جميع الأفراد المخاطبين بأحكامه، ولا يعفى أي منهم من الخضوع له، سواء علموا به أو لم يعلموا.
وتسري قاعدة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون في حق كافة الناس، فلا يحق لأحدهم أن يحتج بعدم علمه بأحكام القانون أياً كان سبب عدم العلم.
وبناء على ذلك، لا يمكن لعائد من الوطن أن يعتذر بجهله القانون الذي يسري في حقه، بحجة صدوره حالة وجوده خارج البلاد، كما لا يقبل نفس العذر من شخص أمي بحجة أنه لا يستطيع قراءة الجريدة الرسمية التي نشر فيها القانون، بل لا يجوز لأجنبي قدم إلى مصر وأتى ما يستوجب تطبيق القانون المصري عليه أن يعتذر بجهله حتى ولو كان حسن النية لأن حكم هذا القانون يخالف تمامأ المعمول به في بلده.
ب ) التمييز بين الغلط في القانون والاعتذار بجهل القانون:
الغلط هو وهم يقوم في ذهن شخص يصور له أمراً على غير حقيقته.
ويعتبر الغلط عيباً من عيوب الرضا، بمعنى أنه إذا وقوع أي شخص في غلط عند إبرامه عقد معين، فإن ذلك يعطي له الحق في طلب إبطال هذا العقد نتيجة وقوعه في الغلط.
والأمثلة على ذلك كثيرة، فمن يشتري ساعة معتقداً أنها من الذهب ثم يتضح بعد ذلك أنها من معدن آخر، أومن يشتري قطعة أثاث معتقدا نها أثرية ثم يتضح أنها حديثة الصنع، كل هذه الأمثلة وغيرها تعطي للشخص الواقع في غلط الحق في طلب إبطال عقد الشراء إذا اثبت أن البائع كان سيئ النية، بأن كان على علم بالغلط، أو كان من المفروض حتمأ أن يعلم به.
والغلط في القانون هو صورة من صور الغلط المعيب للرضا، حيث يتوهم شخص حكم القانون في مسألة معينة على نحو معين ثم ينضح له أن الحكم على خلاف ذلك.
مثل الشخص الذي يشتري أرضاًً لإقامة عمارة شاهقة، معتقداًً جواز ذلك قانوناً، ثم يتبين له أنه ممنوع فيها البناء، أو كمن يبيع سلعة بثمن منخفض معتقدا - خطأ - أن القانون يحدد سعر هذه السلعة تحديد جبريا، أو كمن يبيع نصيبه من التركة معتقدأ أنه يرث الربع ثم يتضح فيما بعد أنه يرث نصف التركة لا ربعها وفقا لأحكام الميراث، إذ في مثل هذه الأحوال توهم الشخص حكما قانونيا على خلاف الحقيقة مما يعطي له الحق في طلب إبطال العقد.
والحقيقة أنه قد يحدث لبس بين فكرة الغلط في القانون وفكرة عدم جواز الاعتذار بالجهل بالقانون، إذ قد يعتقد البعض وجود تعارض بينهما أو على الأقل اعتبار الغلط في القانون ما هو إلا استثناء على قاعدة عدم جواز الاعتذار بجهل القانون.
لكن المتعارف عليه، فقها وقضاء، أن اختلافا كبيرأ بين الحالتين: حالة الغلط في القانون، وحالة الاعتذار بالجهل بالقانون، وأن الأولى لا تعني الثانية.
فالاعتذار بالجهل بالقانون يستهدف استبعاد تطبيق القاعدة القانونية بحجة عدم العلم بها، وهذا غير جائز، إذ معناه التهرب من أحكام القانون بالاعتبار بالجهل بوجوده.
أما التمسك بالغلط في القانون فيسعى به صاحبه إلى نتيجة متناقضة تماما، إذا أنه يسعى إلى تطبيق الحكم الصحيح للقانون بدلا من الحكم الذى تصوره صحيحا. وشتان بين المعنيين، مضمونا وأثراً ونتيجة .