المقصود بـ عقود الإذعان في القانون المدنى المصري
- تقوم فكرة الاذعان في العقود من الناحية القانونية على المادة ( ۱۰٤) من القانون المدني التي تنص على : - ان القبول في عقود الاذعان يقتصر على مجرد التسليم بشروط مقررة يضعها الموجب ولايقبل مناقشة فيها. ومصدر النص المادة (۱۰۰) من القانون المدني المصري الذي اقتبست منها العديد من قوانين الدول العربية النص الخاص بمفهوم عقود الاذعان .
وكما هو واضح من النص، فان المادة (۱۰٤) وضعت شرطين لاعتبار العقد من عقود الاذعان : -
الأول: قيام أحد المتعاقدين، أي الموجب، بوضع شروط العقد، وعرضها على المتعاقد الاخر أي الموجه له الايجاب.
الثاني: عدم قبول الموجب لمناقشة هذه الشروط من الطرف الاخر، الذي اما ان يقبل بها جملة، او يرفضها جملة. فإذا قبل بها انعقد العقد واعتبر عندئذٍ من قبيل عقود الاذعان، مع ما يترتب على ذلك من اثار قانونية سنشير اليها بعد قليل. وعلى ذلك، اذا تم وضع شروط التعاقد من قبل الطرفين معأً، او وضعها أحدهما لمناقشتها والتفاوض بشأنها من الطرف الاخر، وبالتالي تم ابرام العقد في ضوء هذه المناقشة والمفاوضة، فلا يعتبر العقد عقد اذعان.
ويلاحظ على النص انه لم يشترط في الايجاب المتضمن لشروط التعاقد ان يكون مكتوباً، مما يعني جواز ان تكون تلك الشروط والايجاب الخاص بها شفويأً، تمشياً مع القواعد العامة في رضائية العقود، بصرف النظر عن مسالة الاثبات الخاصة بمثل هذه الشروط او احدها. الا ان الوضع في الحياة العملية مختلف تماما، من حيث ان عقود الاذعان هي دائما عقود مكتوبة، ولم يعرض على القضاء أي عقد شفوي تم الادعاء بشأنه بأنه عقد اذعان. بل انه يستدل بوضوح من الاثار التي رتبها القانون على عقد الاذعان، ان مثل هذا العقد يجب ان يكون مكتوباً، وينطبق ذلك على تعديل الشروط التعسفية في عقد الاذعان وعلى تفسيره. إذ لا يمكن ان تثور إحدى هاتين المسألتين دون ان يكون العقد مكتوباً، وهذا هو الواقع في الحياة العملية كما ذكرنا. وعلى ذلك، يمكن ان نضيف شرطاً للعقد حتى يكون عقد اذعان، وهو وجوب أن يكون مكتوباً .
على أي حال، عكف الفقه على دراسة فكرة عقود الاذعان لبيان الشروط الواجب توفرها فيها، غير ماهو مبين في المادة (۱۰٤) من القانون المدني (او النصوص المقابلة لها)، وغير الكتابة على النحو المشار اليه. واستقر الرأي في هذا الشأن على وجوب توفر شروط اخرى في العقد حتى يعتبر عقد اذعان. ويمكن تلخيص هذه الشروط بما يلي : -
أولا:- احتكار السلعة او الخدمة من جانب الموجب، سواء كان الاحتكار قانونيا مثل الامتياز المعطى لاحدى الشركات لتوزيع الكهرباء على المستهلكين، او احتكاراً فعلياً كأن يسمح القانون بتقديم الكهرباء من قبل أي شركة وفق شروط معينه، ولكن لا توجد سوى شركة واحدة تتوفر فيها التقنيات اللازمة لذلك.
ثانيا: - يجب ان تكون السلعة او الخدمة ضرورية للمستهلك، بحيث لا يستغني عنها، او يمكنه ذلك ولكن بصعوبة، مثل سلعة الكهرباء وخدمة الهاتف والتنقل بوسائط النقل الحديثة. فهذه السلع او الخدمات، يصعب الاستغناء عنها في الحياة العصرية لدرجة الاستحالة بالنسبة للاعم الاغلب من الجمهور إن لم يكن للكل.
ثالثا: - ان يكون الايجاب واحداً بالنسبة للجميع او بالنسبة لقطاعات معينة وان اختلف بالنسبة لقطاعات اخرى. فالموجب يعرض ايجابه للكافة عموما دون تمييز بينهم، وشروطه واحدة للجميع. ففي مثالنا السابق، تقدم شركة الكهرباء هذه السلعة للمستهلكين وفق شروط معينه تعرضها عليهم، وكل من يوافق على هذه الشروط يحصل على السلعة من غير تفرقه بين مستهلك وآخر.
وعند مناقشة مشروع القانون المدني المصري، لم يخرج واضعو القانون على هذه الشروط التي استقر الاجتهاد الفقهي (بل والقضائي ايضا) عليها قبل صدور ونفاذ القانون المصري سنة ۱۹٤۸. وفي هذا الشأن، تقول مجموعة الأعمال التحضيرية بأن عقود الاذعان تتميزعن غيرها باجتماع شروط ثلاثة: أولها تعلق العقد بسلع او مرافق تعتبر من الضروريات بالنسبة للمستهلكين او المنتفعين. والثاني، احتكار هذه السلعة او المرافق، احتكارا قانونياً او فعلياً، او قيام منافسة محدودة النطاق بشأنها. والثالث، توجيه عرض الانتفاع بهذه السلعة او المرافق الى الجمهور بشروط متماثلة على وجه الدوام بالنسبه لكل فئه منها .
- ويضرب الفقة والقضاء على عقود الاذعان أمثلة تقليدية كثيرة من واقع الحياة العملية، ويشمل ذلك العقود مع شركات الكهرباء، والغاز، والمياه والنقل بوسائلة المختلفة من سكك حديدية وكهربائية وبواخر وسيارات، أو مع مصالح البريد والتلفونات.